سألني أحد المؤمنين عما جاء في الحديث بأن السجود على تربة أبي عبد الله –الحسين – عليه السلام يخرق الحجب السبعة . فما هي هذه الحجب ؟
أجبته :
الظاهر أن الحجب السبع هي الحجب التي تحجب الإنسان للوصول الى القرب الإلهي فالحجاب هو المانع و الساتر . و كل ما يمنعك من القرب الى الله هو الحجاب . ولكن ما هي الحجب السبعة ؟ ولماذا هي سبعة فقط ، لا أكثر ؟ ربما كانت السبعة دليلا على الزيادة كما هو معلوم في الأحاديث و العُرف القرآني بصورة عامة فالسبعة و السبعون للزيادة . ولكن ربما كان الغرض منها أمرا آخر .
و في الحديث لا يوجد تعريف للحجب .
الذي نعرفه أن الحجاب هو الذي يمنع الإنسان للوصول الى الله و التقرب اليه وقد ورد في المناجاة الشعبانية قول أمير المؤمنين عليه السلام : ”وأَنِرْ أبصار قلوبنا بضياء نظرها إليك حتّي تخرق أبصارُ قلوبنا حجبَ النور، فتصل إلي معدن العظمة، وتصير أرواحُنا معلّقةً بعزّ قدسك“ ، فالحُجب هي الموانع التي تمنع النور الإلهي من الوصول الى الروح البشرية فتمنعه من العروج الى الملكات الفاضلة و الإرتقاء الى الكمال المطلوب . و هذا الحجاب في كلمة واحدة يتمثل في المعاصي والشهوات .. و بظني أن السجود على التربة الحسينية يعمل المعجزات فيحول الإنسان من عاصٍ الى عابد و من بعيد الى قريب و من فاسق الى ورع ومن طالح الى صالح.
يقول العلامة الشيخ محمّد حسين كاشف الغطاء: لعلّ المراد بالحجب السبع ـ في حديث الإمام الصادق (عليه السلام) ـ هي الحاءات السبع من الرذائل التي تحجب النفس عن الاستضاءة بأنوار الحقّ وهي: الحقد، والحسد، والحرص، والحدّة، والحماقة، والحيلة، والحقارة.
فالسجود علي التربة من عظيم التواضع والتوسّل بأصفياء الحقّ، يخرق تلك الحجب ويمزّقها ويبدّلها إلي الحاءات السبع من الفضائل، وهي: الحكمة، والحزم، الحلم، والحنان، والحصانة، والحياء، والحبّ .
و هذا الشرح ليس فيه إلا ما يقرب المعنى الذي أردناه في أصل الخرق ، حيث يخرق الحجب أي يمنع من الولوج في المعاصي و الملذات المحرمة و كل ما دون الله فهو الحجاب الذي يمنع من الوصول الى الله عزّ شأنه . و في القرآن ما يقربنا الى هذا المعنى حيث قال تعالى : ” إن الصلاة تنهى عن الفحشاء و المنكر” ولعل المواظبة على الصلاة بشروطها و في أوقاتها تخلق للإنسان المؤمن حاجبا ليمتنع عن الإقتراب من المنكرات .. و ليس هذا ببعيد عمن أطاع الله في الجزء الأهم من العبادة و هو الصلاة ، لكي يمنحه الله ملَكة تمنعه من ارتكاب الفواحش و المنكرات .
و ربما كان للمصلي الذي يسجد لله علي هذه التربة المباركة، أن تخرق صلاته الحجب الباطنية، فيرى بعين الباطن جمال المحبوب ، و يستشعر حقيقة الإيمان ، كما شرح أحد العرفاء ذلك.
و أخيرا لا بد من الإشارة الى أن التربة الحسينية – حسب أقوال الفقهاء – هي التربة المأخوذة من القبر الشريف ولو من التراب المتجدد عليه وكذا ما يؤخذ من اطرافه بحيث يلحق به عرفاً ، و ليس كل أرض كربلاء المقدسة و لو أن في كل هذه الأرض قداسة و بركة لبركة صاحبها سلام الله عليه . والله العالم.
التصنيفات :مقالات
اترك تعليقًا