الروايات في فضل وثواب زيارة الإمام الحسين عليه السلام متعارضة بشكل كبير فقد ورد أن ثواب زيارته ثلاث حجج ، و عشر حجج ، و عشرين حجة و عمرة ، و أفضل من عشرين حجة ، و خمسة و عشرين حجة ، وثلاثين حجة مبرورة متقبلة ، و خمسون حجة ، و خمسون حجة مع رسول الله ، و سبعون حجة من حجج رسول الله ، و مائة حجة ، و ألف حجة مقبولة ، و ألف حجة و ألف عمرة مبرورة.
كل هذه الأحاديث واردة في فضل زيارة الحسين سلام الله عليه ! و الإنسان عندما يرى هذا التعارض العجيب في الروايات يأخذه الذهول ، فياترى أي منها صحيح ؟
ثم إن الحج و العمرة لهما من الفضل ما لا تصل اليهما عبادة من العبادات الا الصلاة، ذلك لأن أفضل الأعمال أحمزها و التعب الذي يصيب الإنسان في سفر الحج لا يضاهيه تعب .. لذلك فإنه يعتبر عملا ذا فضل كبير .. و لا أريد أن أذكر فضائل الحج و العمرة فكتبنا تعج بها .. يكفي قول رسول الله (ص) انه ليس شيء أفضل من الحج الا الصلاة .أو ما جاءعن الصادق عليه السلام كان أبي يقول: “من أمّ هذا البيت حاجا أو معتمرا مبرا من الكبر رجع من ذنوبه كهيئة يوم ولدته أمه.“
و لا يقتصر ذلك على حديث أو حديثين فالحج له فضل كبير و لا ريب.
ثم نأتي الى حديث عن الإمام محمد الباقر (عليه السلام) حيث قال : “ يا مالك ، إن الله تبارك وتعالى لما قبض الحسين (عليه السلام) بعث إليه أربعة آلاف ملك شعثاً غبراً يبكونه إلى يوم القيامة ، فمن زاره عارفاً بحقه غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ، وكتب له حجة ، ولم يزل محفوظاً حتى يرجع إلى أهله .“
قال : فلما مات مالك وقبض أبو جعفر (عليه السلام) دخلت على أبي عبدالله – الإمام جعفر الصادق – (عليه السلام) فأخبرته بالحديث ، فلما انتهيت إلى حجة ، قال : “وعمرة يا محمد “.
وعن أبي علي الحرّاني قال : قلت لأبي عبدالله – الإمام جعفر الصادق – (عليه السلام) : ما لمن زار الحسين (صلوات الله عليه) ؟
قال: “من أتاه وزاره وصلى عنده ركعتين أو أربع ركعات كتبت له حجة وعمرة“.
و عن محمّد بن سنان: سمعت الرِّضا عليه السلام يقول: “زيارة قبر الحسنِ عليه السلام تَعدِل عُمرةً مبرورةً مقبولةً “.(ثواب الأعمال ١١٢)
و عن أبي عبد الله [الصادق] عليه السلام: ”من أتى قبر الحسين عليه السلام کتبَ الله له حَجّةً و عُمرةً“(كامل الزيارات٣٠٠)
و أخيرا عن إبراهيم بن عقبة: کتبت إلى العبد الصّالحِ (الظاهر هو الإمام موسى الكاظم ) عليه السلام: إن رأى سيدنا أن يخبرني بأفضل ما جاء به في زيارة الحسينِ عليه السلام، و هل تَعدلُ ثواب الحجِّ لمَن فاته؟ فكتب عليه السلام : “تعدل الحج لمن فاته الحج“.
و تلاحظون أن من لم يستطع أن يحج ، فزار الحسين عليه السلام فإن له مثل ثواب حجة واحدة.
و بدون مقدمات و حتى لا نبتعد عن لب الحديث فإن الزيارة لأمثالنا تساوي حجة أو حجة و عمرة و هذا أمر معقول و أما الصنف الآخر من الزيارة و التي تعادل ألف أو مائة حجة فإن قبلنا الحديث ( و أكثر ما رأيت ، فإن أسانيدها ناقصة أو أنها مرسلة و بعضها بدون سندأصلا) فلا شك أن فيه سرا . و قد يكون السر في مقدار معرفة الإنسان للإمام الحسين عليه السلام و بمقدار معرفته يزيد ثوابه ، كما ورد في كثير من الأحاديث جملة “ عارفا بحقه” و هذا العرفان صعب جدا ، لا يستطيع كل إنسان مهما بلغ من العلم أن يدعي تلك المعرفة إلا رجل واحد لا غير ، و هو الإمام المنتظر روحي فداه ، فبالطبع زيارته لجده تساوي ألف حجة و عمرة و لا شك في ذلك .. و أما المقادير الأخرى فربما (ولا أقول قطعا) تأتي حسب معرفة الشخص للإمام . هذا إن أردنا الجمع بين الروايات المتعارضة حقا
و انني قبل عشرين سنة تقريبا بحثت مع أستاذي (وهو مجتهد) عن هذا الثواب العجيب البالغ مئات الحج و العمرة ، و أن هذا الأمر ربما تسبب في الإقلال من ثواب الحج في أعين الناس . قال : أظن أن الأمر يتعلق بأيام الشدة ، فمثلا نحن اليوم نزور الإمام بكل راحة فبعيد جدا أن نحصل على ثواب عشر عمرات أو حجج فما بالك بالألف . و لكن في السنوات التي كانت الزيارة شاقة جدا و المؤمنون يتعرضون لكثير من الصعوبات جتى كانت تودي بحياة كثير منهم ، ففي تلك الأزمنة لم يتركوا الزيارة و أبقوا هذا الشعار حيا ، أولئك لهم مثل هذا الأجر الجزيل و أكثر . قلت : مثل زمن المتوكل الذي كان يقتل و يجرح و يفقأ العيون و يقطع الأرجل و الأيدي و الشيعة كانوا متحمسين للزيارة رغم كل تلك الشدائد . فأجاب بالإيجاب . عندئذ ارتويت قليلا من هذه المبالغة التي كانت مثل لغز محيّر في ذهني .
و بالطبع لا أريد أن أنكر الثواب الجزيل لكل من زار و يزور الإمام الحسين عليه السلام ، يكفي أنه كما جاء في الأثر، كمن صافح مائة و عشرين ألف نبي . و أصلا المؤمن عليه أن يزور سيد الشهداء دون أن يطمع في الثواب أصلا .
و أخيرا أرجو من الأعزاء أن لا تأخذهم العاطفة الزائدة ، فيقضوا على العقل في مضمار الإحساس وأن يقتفوا أثر الحق أينما وُجد و بصراحة كنت متشائما جدا لهذا الرد و لكني توكلت على الله و شاورت أحد الأحبة فكتبته ،مع أني أنتظر عادة ردودا شديدة من بعض أتباع الإحساس والعاطفة و ما أكثرهم فيما بيننا! اللهم اهدنا و إياهم الى سواء صراطك و ارزقنا جميعا زيارة قبر سيد الشهداء عارفين قليلا بحقه حتى يشملنا الجزاء الأوفى و الثواب الأوفر و لا ثواب أكبر من رضوانك يا رب والإجتماع مع الحسين في يوم الخلود.
التصنيفات :بحوث
اترك تعليقًا