*
بسم الله الرحمن الرحيم
قال تعالى :
“ أ لم تر أن الله أنزل من السماء ماء فأخرجنا به ثمرات مختلفا ألوانه و من الجبال جددٌ بيض و حمر مختلف ألوانها و غرابيب سود . و من الناس و الدواب و الأنعام مختلف ألوانه كذلك ، إنما يخشى الله من عباده العلماء إن الله عزيز غفور “ ( سورة فاطر – آيه 27 )
في هذه الآية الكريمة يشير الله سبحانه إلى إحدى علائم عظمته و آثار رحمته و انها ” إختلاف الألوان ” فبالرغم من أن جميع النباتات و الحيوانات و حتى الجمادات تعيش على سائل واحد و هو ” الماء ” إلا أنها تختلف حسب الألوان في الطبيعة .. فانظر إلى الورود و الفواكه فإن ألوانها الخلابة تجذبك أكثر من طعمها و ريحها .. و هكذا الجبال و الصخور فإنها تتمايز بالألوان الجميلة لتكون دليلا بينا على تدبير منظم من رب حكيم .. و إن اختلاف الألوان يدعو إلى خلق نشاط مميز في حياة الإنسان ليخرجه من حالة الركود و الجمود و يبعث في نفسه الحيوية و القوة .
فأخرجنا به : التفات أدبي ظريف حيث ينتقل فجأة من ضمير الغائب إلى ضمير المتكلم و ربما كان سبب الإلتفات ، الإهتمام بالموضوع حيث يوجب الدهشة لذوي الألباب كيف يخلق من سائل واحد لا لون له و لا طعم كل هذه الألوان البديعة من النباتات و الزهور و الفواكه .. و كلها آثار عظمة الرب جلت قدرته .
غرابيب : جمع غربيب بمعنى السواد و لذا يقال للغراب غرابا لأن لونه أسود و ربما كان المقصود منه شدة السواد .
جدد : جمع جده بمعنى الجادة و الطريق .. و يحتمل أن يكون الغرض منها نفس الجبال لا طرقها حيث تبدو من بعيد كخطوط على الأرض .
العلماء : ما المقصود من العلماء ؟ يحصر الله سبحانه الخشية في العلماء فياترى هل هم رجال الدين أم هناك شمولية و من الذي تشملهم الآية ؟
العالم كما بحثت سابقا في أحاديث الأئمة عليهم السلام هو الذي يتطابق قوله مع فعله و لعمري هذا كلام عظيم فرب رجل صرف عشرات السنين من عمره في كسب أشرف العلوم و لكن علمه لا يطابق عمله ، فمثله مثل علماء بني إسرائيل حيث كانوا يأمرون الناس بالبر و ينسون أنفسهم .
الخشية : هناك فرق كبير بين الخوف و الخشية .. فالخوف هو الذي يفزع الإنسان و يدعوه إلى الفرار و أما الخشية فإنها حالة قلبية تذللية تكمن في قلب المؤمن العارف فلا يدعوه الى الفرار بل يدعوه الى قرب أكثر و شتان بين خوف يوجب الفرار و خوف يوجب القرب .. و الخشية لا تتأتى للجاهل بل خاصة بالعلماء العرفاء و كلما ازدادت المعرفة ازدادت الخشية .
بقيت نقطة واحدة مهمة قليلا ما تطرق اليه أرباب التفسير و هي التناسب بين تنوع الألوان و الخشية من الله ؛ عندما يذكر الله مظاهر جماله و جلاله و يشرح المناظر الخلابة التي توجب النشاط و تؤدي الى الفرح و الإستئناس يذكر الخشية أي أن الإنسان العادي عندما يذهب مثلا الى جنات الدنيا و ينظر الى تلك المناظر الجميلة التي تسلب اللب ، ينسى ذكر الله في تلك اللحظات و أما المؤمن العارف فإن مثل هذه المناظر تدعوه إلى الذكر و الإعتبار أكثر و أكثر فيخضع لجلاله و جماله و يسجد لعظمته و كبريائه . و أما نحن الغافلون فإننا نلتهي بجمال الأشجار و الأنهار و الجبال و تلك الألوان الزاهية و ننسى الخالق العظيم الذي أبدعها لتكون آية للإعتبار و التذكر .
فاعتبروا يا أولي الألباب
التصنيفات :تفسير
اترك تعليقًا